فصل: بحث نفيس يتعلق بالآية الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن مردويه عن سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة حمراء إذ جاء رجل على فرس فقال: من أنت؟ قال: «أنا رسول الله قال: متى الساعة؟ قال: غيب، وما يعلم الغيب إلا الله قال: ما في بطن فرسي؟ قال: غيب، وما يعلم الغيب إلا الله قال: فمتى تمطر؟ قال: غيب وما يعلم الغيب إلا الله».
وأخرج أحمد والطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس {إن الله عنده علم الساعة}».
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم مفاتيح كل شيء غير الخمس {إن الله عنده علم الساعة}.
وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «لم يعم على نبيكم صلى الله عليه وسلم إلا الخمس من سرائر الغيب هذه الآية في آخر لقمان إلى آخر السورة».
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والبخاري في الأدب عن ربعي بن حراش رضي الله عنه قال: حدثني رجل من بني عامر أنه قال: يا رسول الله هل بقي من العلم شيء لا تعلمه فقال: «لقد علمني الله خيرًا، وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله. الخمس {إن الله عنده علم الساعة}».
وأخرج ابن ماجة عن الربيع بنت معوذ رضي الله تعالى عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عرسي وعندي جاريتان تغنيان وتقولان: وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال: «أما هذا فلا تقولوه، لا يعلم ما في غد إلا الله».
وأخرج الطيالسي وأحمد وابن أبي حاتم وابن مردوية والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي غرة الهذلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة، فلم ينته حتى يقدمها، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {وما تدري نفس بأي أرض تموت}».
وأخرج الترمذي وحسنه وابن مردويه عن مطر بن عكامس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قضى الله لرجل أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة».
وأخرج أحمد عن عامر أو أبي عامر أو أبي مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في مجلس فيه أصحابه، جاءه جبريل عليه السلام في غير صورته، فحسبه رجلًا من المسلمين، فسلم فرد عليه السلام، ثم وضع يده على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: «أن تسلم وجهك لله، وتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة قال: فإذا فعلت ذلك فقد أسلمت؟ قال: نعم. قال: ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، واليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين، والموت، والحياة بعد الموت، والجنة والنار، والحساب والميزان، والقدر خيره وشره. قال: فإذا فعلت ذلك فقد آمنت قال: نعم. ثم قال: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن كنت لا تراه فهو يراك قال: فإذا فعلت ذلك فقد أحسنت؟ قال: نعم. قال: فمتى الساعة يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله.! خمس لا يعلمها إلا الله {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير}». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولجُ اللَّيْلَ في النَّهَار وَيُولجُ النَّهَارَ في اللَّيْل}.
وقرأ أبو عمروٍ في روايةٍ: {وَأَنَّ الله بمَا يَعْمَلُونَ} بياء الغَيْبة. والباقون بالتاء خطابًا.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْري في الْبَحْر بنعْمَت اللَّه ليُريَكُمْ منْ آيَاته إنَّ في ذَلكَ لَآيَاتٍ لكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)}.
قوله: {بنعْمَة الله} يجوز أَنْ يتعلَّقَ ب {تَجْري} أو بمحذوفٍ على أنها حالٌ: ملتبسةً بنعمة اللَّه. والأعمش والأعرج {بنعْمات} جمعًا. وابنُ أبي عبلة كذلكَ إلاَّ أنه فتح النونَ وكسر العَيْن. وموسى بن الزبير {الفُلُك} بضمتين.
{وَإذَا غَشيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَل دَعَوُا اللَّهَ مُخْلصينَ لَهُ الدّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلَى الْبَرّ فَمنْهُمْ مُقْتَصدٌ وَمَا يَجْحَدُ بآيَاتنَا إلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)}.
قوله: {خَتَّارٍ} مثالُ مبالغةٍ من الخَتْر، وهو أشَدُّ الغَدْر. قال الأعشى:
بأبلق الفَرْد منْ تَيْماءَ مَنْزلُه ** حصْنٌ حَصينٌ وجارٌ غيرُ خَتَّار

وقال عمرو بن معد يكرب:
فإنَّك لو رَأَيْتَ أبا عُمَيْرٍ ** مَلأْتَ يَدَيْكَ منْ غَدْرٍ وخَتْر

وقالوا: إنْ مَدَدْتَ لنا شبْرًا من غَدْر مَدَدْنا لك باعًا منْ خَتْر.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزي وَالدٌ عَنْ وَلَده وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالده شَيْئًا إنَّ وَعْدَ اللَّه حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ باللَّه الْغَرُورُ (33)}.
قوله: {وَلاَ مَوْلُودٌ} جوَّزوا فيه وجهين، أحدهما: أنه مبتدأٌ، وما بعدَه الخبرُ. والثاني: أنه معطوفٌ على {والدٌ}، وتكون الجملةُ صفةً له. وفيه إشكالٌ: وهو أنه نَفَى عنه أن يَجْزيَ، ثم وَصَفَه بأنه جازٍ. وقد يُجاب عنه: بأنه وإن كان جازيًا عنه في الدنيا فليس جازيًا عنه يوم القيامة فالحالان باعتبار زَمَنين.
وقد منع المهدويُّ أَنْ يكونَ مبتدًا قال: لأنَّ الجملةَ بعده صفةٌ له فيبقى بلا خبرٍ، ولا مُسَوّغَ غيرُ الوصف. وهو سهوٌ. لأنَّ النكرةَ متى اعتمدَتْ على نفيٍ ساغ الابتداءُ بها. وهذا منْ أشهر مُسَوّغاته. وقال الزمخشري: فإن قلت: قوله: {وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالده شَيْئًا} واردٌ على طريقٍ من التوكيد لم يَردْ عليه ما هو معطوفٌ عليه. قلت: الأمر كذلك لأنَّ الجملةَ الاسميَّةَ آكدُ من الفعلية، وقد انضَمَّ إلى ذلك قولُه: هو وقوله: {مولودٌ}. قال: ومعنى التوكيد في لفظ المولود: أنَّ الواحدَ منهم لو شَفَعَ للوالد الأَدْنَى الذي وُلد منه لم تُقْبَلْ منه فضلًا أَنْ يَشْفَعَ لمَنْ فوقَه منْ أجداده لأنَّ الولدَ يقع على الولد وولد الولد، بخلاف المولود فإنه للذي وُلد منك قال: والسببُ في مجيئه على هذا السَّنَن أنَّ الخطابَ للمؤمنين، وعلّيَّتُهم قُبضَ آباؤُهم على الكفر، فأريد حَسْمُ أطماعهم وأطماع الناس فيهم.
والجملةُ منْ قوله: {لا يَجْزي} صفةٌ ل {يومٍ} والعائدُ محذوفٌ أي: فيه، فحُذف برُمَّته أو على التدريج.
وقرأ عكرمة {لا يُجْزَى} مبنيًا للمفعول. وأبو السَّمَّال وأبو السّوار {لا يُجْزئ} بالهمز، منْ أَجْزأ عنه أي: أغنى.
قوله: {شيئًا} منصوبٌ على المصدر وهو من الإعمال؛ لأنَّ {يَجْزي} وجازٍ يَطْلبانه. والعاملُ جازٍ، على ما هو المختارُ للحذف من الأول.
قوله: {فلا تَغُرَّنَّكُمْ} العامَّةُ على تشديد النون. وابنُ أبي إسحاق وابنُ أبي عبلة ويعقوبُ بالخفيفة، وسماك بن حرب ويعقوب {الغُرور} بالضمّ وهو مصدرٌ، والعامَّةُ بالفتح صفةُ مبالغةٍ كشَكُور. وفُسّر بالشيطان. على أنَّه يجوزُ أَنْ يكونَ المضمومَ مصدرًا واقعًا وصفًا للشيطان.
{إنَّ اللَّهَ عنْدَهُ علْمُ السَّاعَة وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا في الْأَرْحَام وَمَا تَدْري نَفْسٌ مَاذَا تَكْسبُ غَدًا وَمَا تَدْري نَفْسٌ بأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبيرٌ (34)}.
قوله: {مَّاذَا تَكْسبُ} يجوزُ أَنْ تكونَ ما استفهاميةً فتُعَلّقَ الدّراية، وأن تكونَ موصولةً فتنتصبَ بها، وقد عُرفَ حكمُ {ماذا} أولَ الكتابَ، وتكرَّر في غُضُونه.
قوله: {بأيّ أرضٍ} متعلقٌ ب {تموتُ} وهو مُعَلّقٌ للدّراية، فهو في محلّ نصبٍ. وقرأ موسى الأسواري {بأية أرضٍ} على تأنيثها. وهي لغة ضعيفة، كتأنيث كل حيث قالوا: كلتهن، فعلَّق ذلك. والباءُ ظرفيةٌ بمعنى: في: أيْ: في أرض نحو: زيد بمكة أي: فيها. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزي وَالدٌ عَنْ وَلَده}.
يخوّفهم مرةً بأفعاله فيقول: {وَاتَّقُوا يَوْمًا} [البقرة: 48]، ومرةً بصفاته فيقول: {أَلَمْ يَعْلَم بأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14] ومرةً بذاته فيقول: {وَيُحَذّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28].
قوله جلّ ذكره: {إنَّ اللَّهَ عندَهُ علْمُ السَّاعَة وَيُنَزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا في الأَرْحَام}.
يتفرّد بعلم القيامة، ويعلم ما في الأرحام ذكورَهَا وإناثها، شقيها وسعيدها، حسنها وقبيحها ويعلم متى يُنزّل الغيث، وكم قطرة يُنزله، وبأي بقعة يُمطرها.
{وَمَا تَدْرى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسبُ غَدًا وَمَا تَدْرى نَفْسُ بأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبيرُ}.
ما تدري نفسُ ماذا تكسب غدًا من خير وشر، ووفاق وشقاق، وما تدري نفس بأي أرض تموت؛ أتدرك مرادَها أم يفوت؟. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزي وَالدٌ عَنْ وَلَده} الآية.
هذه الآية تدل بظاهرها على أن يوم القيامة لا ينفع فيه والد ولده وقد جاءت آية أخرى تدل على رفع درجات الأولاد بسبب صلاح آبائهم حتى يكونوا في درجة الآباء مع أن عملهم أي الأولاد لم يبلغهم تلك الدرجة إقرارا لعيون الآباء بوجود الأبناء معهم في منازلهم من الجنة وذلك نفع لهم وهي قوله تعالى: {وَالَّذينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرّيَّتُهُمْ بإيمَانٍ أَلْحَقْنَا بهمْ ذُرّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ منْ عَمَلهمْ منْ شَيْءٍ} الآية.
ووجه الجمع أُشير إليه بالقيد الذي في هذه الآية وهو قوله تعالى: {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرّيَّتُهُمْ بإيمَانٍ} وعين فيها النفع بأنه إلحاقهم بهم في درجاتهم بقيد الإيمان فهي أخص من الآية الأخرى والأخص لا يعارض الأعم.
وعلى قول من فسر الآية بأن معنى قوله: {لا يَجْزي وَالدٌ عَنْ وَلَده} لا يقضي عنه حقا لزمه ولا يدفع عنه عذابا حق عليه، فلا إشكال في الآية.
وسيأتي لهذا زيادة إيضاح في سورة النجم في الكلام على: {وَأَنْ لَيْسَ للإنْسَان إلا مَا سَعَى} الآية إن شاء الله تعالى. اهـ.

.بحث نفيس يتعلق بالآية الكريمة:

معرفة الأطباء لنوع الجنين ذكرا كان أو أنثى لا يتناقض مع معرفة علم الله تعالى للغيب، فإن كان الأطباء بعد التخلق قد عرفوا نوع الجنين، فإنهم قبل التخلق لم يكونوا يعرفون نوعه، كما أنهم لا يعرفون مدة بقائه جنينا على وجه اليقين، في بطن أمه، ولا يعرفون ما سيكون عمله، ولا يعرفون رزقه، ولا يعرفون أيكون شقيا أم سعيدا.كما أن الآية لم تصرح بعدم معرفة نوع الجنين، وإنما قالت: {ويعلم ما في الأرحام} بصيغة العموم لا بالخصوص.
أما الحديث الوارد في أن الآية نزلت سؤالا عما تلد المرأة، فهو حديث منقطع لا يصح.
أما المخصص لقوله: {ما في الأرحام}، هو الواقع الذي لا شك فيه، وتخصيص الواقع والعقل للنص الشرعي أمر متفق عليه بين أهل الأصول.
وليس هناك تناقض بين النصوص الشرعية والعلم الحديث إذا كان قد وصل إلى مرتبة العلم القطعي، لا مجرد النظريات التي لم تستقر.
يقول الشيخ محمد صالح المنجد من علماء السعودية:
قبل أن أتكلم عن هذه المسألة أحب أن أبين أنه لا يمكن أن يتعارض صريح القرآن الكريم مع الواقع أبدًا، وأنه إذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة، فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى لا حقيقة له، وإما أن يكون القرآن الكريم غير صريح في معارضته، لأن صريح القرآن الكريم وحقيقة الواقع كلاهما قطعي، ولا يمكن تعارض القطعيين أبدًا.
فإذا تبين ذلك بواسطة الآلات الدقيقة للكشف عما في الأرحام، والعلم بكونه ذكرا أو أنثى فإنه لا يعارض الآية، حيث إن الآية تدل على أمر غيبي وهو متعلق علم الله تعالى في هذه الأمور الخمسة، والأمور الغيبية في حال الجنين هي: مقدار مدته في بطن أمه، وحياته، وعمله، ورزقه، وشقاوته أو سعادته، وكونه ذكرًا أم أنثى، قبل أن يُخلًّق، أما بعد أن يخلق فليس العلم بذكورته، أو أنوثته من علم الغيب، لأنه بتخليقه صار من علم الشهادة إلا أنه مستتر في الظلمات الثلاثة، التي لو أزيلت لتبين أمره، ولا يبعد أن يكون فيما خلق الله تعالى من الأشعة أشعة قوية تخترق هذه الظلمات حتى يتبين الجنين ذكرًا أم أنثى. وليس في الآية تصريح بذكر العلم بالذكورة والأنوثة، وكذلك لم تأت السنة يذلك.
وأما ما نقله السائل عن ابن جرير عن مجاهد أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم، عما تلد امرأته، فأنزل الله الآية. فالمنقول هذا منقطع لأن مجاهدًا رحمه الله من التابعين.
وأما تفسير قتادة رحمه الله فيمكن أن يحمل على أن اختصاص الله تعالى بعلمه ذلك إذا كان لم يُخلًّق، أما بعد أن يخلق فقد يعلمه غيره. قال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية لقمان: وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه، ولكن إذا أمر بكونه ذكرًا أو أنثى أو شقيًا أو سعيدًا علم الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء من خلقه. اهـ.
وأما سؤالكم عن المخصص لعموم قوله تعالى: {ما في الأرحام} فنقول:
إن كانت الآية تتناول الذكورة والأنوثة بعد التخليق فالمخصص الحس والواقع، وقد ذكر علماء الأصول أن المخصصات لعموم الكتاب والسنة إما النص أو الإجماع أو القياس أو الحس أو العقل وكلامهم في ذلك معروف.
وإذا كانت الآية لا تتناول ما بعد التخليق وإنما يراد بها ما قبله، فليس فيها ما يتعارض ما قيل من العلم بذكورة الجنين وأنوثة. انتهى.
ويقول الشيخ عطية صقر من كبار علماء الأزهر:
يقول الله تعالى: {اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْملُ كُلُّ أُنْثَى ومَا تَغيضُ الأرْحامُ ومَا تَزدادُ وكلُّ شَيءٍ عنده بمقدارٍ} [سورة الرعد: 8]، ويقول: {إنَّ اللهَ عنْدَهُ علْمُ السّاعة ويُنَزّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ مَا في الأرْحام} [سورة لقمان: 34].
لا يتنافَى علم البشر بنوع الجَنين في بطن أمّه مع علم الله بما في الأرحام، وذلك لأربعة أمور:
أوّلها: أن الله يعلم ذلك قبل أن يتخلّق الجنين، أي قبل أن تتلقّح بويضة الأنثى بماء الذَّكر، إلى أن يولَدَ، بل قبل أن يكون هناك الزّواج بين الرّجل والمرأة، والطّبُّ لا يعرف ذلك إلا بعد إخصاب البُويضة بزمن يمكنهم فيه الفحص والاستدلال، وما يقال: إنّهم يعرفون ذلك قبل الإخصاب بفحص ماء الرجل ومعرفة الكُروموسومات الغالبة فيه، فإن هناك عوامل أخرى لا يستطيع العلم التحكُّم فيها، وكلها تحت إرادة الله سبحانه، وما يَستنبطونَه مقدّمًا فهو لا يعدو مرحلة الظَّنّ والتَّخمين.
ثانيها: أنَّ علم الله بنوع الجنين علم حقيقي لا يتخلَّف، وعلم العلماء بذلك علم ظنّي قد يتخلّف، وبخاصّة في الأيّام الأولى للحمل.
ثالثهما: أنَّ علم الله بالجَنين علم شامل لنوعه ورزقه وأجله وسعادَته وشقائه، وذلك غير مُستطاع إلا لله سبحانه تعالى، الذي قَدَّر كل شيء قبل أن يخلُقَه.